عائشة بنت أبي بكر الصديق
تقدم نسبها في ترجمة والدها عبد الله بن عثمان -رضي الله عنهما-، وأمها أم رُومَان بنت عامر بن عويمر الكنانية.
وُلِدَتْ بعد المبعث بأربع سنين أو خمس؛ فقد ثبت في "الصحيح" أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- تزوجها وهي بنت ست، وقيل سبع، ويجمع بأنها كانت أكملت السادسة ودخلت في السابعة.
ودخل بها وهي بنت تسع، وكان دخوله بها في شَوَّال في السنة الأولى كما أخرجه ابن سعد، عن الواقدي، عن أبي الرجال، عن أبيه، عن أمه عمرة، عنها، قالت:أُعْرِسَ بي على رأس ثمانية أشهر. وقيل في السنة الثانية من الهجرة.
وقال الزبير بن بكار: تزوّجها بعد موت خديجة؛ قيل بثلاث سنين، قال أبو عمر: كانت تذكر لجبير بن مطعم وتسمى له.
قلت: أخرجه ابن سعد من حديث ابن عباس بسند فيه الكلبي، وأخرجه أيضا عن ابن نمير، عن الأجلح، عن ابن أبي مليكة، قال: قال أبو بكر كنت أعطيتها مطعمًا لابنه جبير فدعني حتى أسألها منهم، فاستلبثها.
وفي "الصحيح" من رواية أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، قالت: تزوجني رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأنا بنت ست سنين، وبَنَى بي وأنا بنت تِسع، وقُبِضَ وأنا بنت ثمان عشرة سنة .
وأخرج ابن أبي عاصم من طريق يحيى القطان، عن محمد بن عمرو، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن عائشة، قالت: لما توفيت خديجة قالت خولة بنت حكيم بن الأوقص امرأة عثمان بن مظعون وذلك بمكة: أي رسولَ الله، ألا تَزَوَّج؟ قال: مَنْ؟ قالت: إن شئت بِكرًا، وإن شئت ثَيِّبًا؟
قال: فَمَنْ البِكْرُ؟ قالت: بنت أحبّ خلق الله إليك، عائشة بنت أبي بكر. قال: ومَنْ الثيِّب؟ قالت: سودة بنت زمعة آمنت بك واتبعتك. قال: فاذهبي فاذكريهما عليَّ.
فجاءت فدخلت بيت أبي بكر، فوجدت أم رُومَان، فقالت: ما أدخل الله عليكم من الخير والبركة! قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أخطب عليه عائشة. قالت: وددْتُ، انتظري أبا بكر، فجاء أبو بكر فذكرت له، فقال: وهل تصلح له وهي بنت أخيه؟
فرجعت فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، قال: قولي له أنت أخي في الإسلام وابنتك تَحِلُّ لي، فجاء فأنكحه وهي يومئذ بنت ست سنين ، ثم ذكر قصة سودة
وفي "الصحيح" أيضا: لم ينكح بِكْرًا غيرها، وهو متفق عليه بين أهل النقل.
وكانت تكنى أم عبد الله، فقيل إنها ولدت من النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ولدًا فمات طفلا، ولم يثبت هذا، وقيل كناها بابن أختها عبد الله بن الزبير؛ وهذا الثاني ورد عنها من طرقٍ منها عند ابن سعد، عن يزيد بن هارون، عن حماد، عن هشام بن عروة، عن عباد بن حمزة، عن عائشة.
قال الشعبي: كان مسروق إذا حدَّث عن عائشة قال: حدثتني الصادقة ابنة الصديق حبيبة حبيب الله.
وقال أبو الضحى، عن مسروق: رأيت مشيخة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الأكابر يسألونها عن الفرائض .
وقال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة أَفْقَهَ الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأيًا في العامة .
وقال هشام بن عروة، عن أبيه: ما رأيت أحدًا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة .
وقال أبو بردة بن أبي موسى، عن أبيه: ما أشكل علينا أمر فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها فيه علمًا .
وقال الزهري: لو جُمِعَ علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين، وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل .
وأسند الزبير بن بكار، عن أبي الزناد، قال: ما رأيت أحدًا أَرْوَى لشعرٍ مِنْ عروة، فقيل له: ما أَرْوَاكَ! فقال: ما روايتي في رواية عائشة؛ ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدتْ فيه شعرًا .
وفي "الصحيح" عن أبي موسى الأشعري -مرفوعا: فضل عائشة على النساء كفضل الثَّرِيدِ على سائر الطعام .
وفي "الصحيح" من طريق حماد، عن هشام بن عروة، عن أبيه: كان الناس يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يومَ عائشة، قالت: فاجتمع صَواحِبِي إلى أمِّ سلمة ... ، فذكر الحديث، وفيه: فقال في الثالثة: لا تُؤذُوني في عائشة؛ فإنه واللَّهِ ما نزل عليَّ الوحْيُ وأنا في لَحَافِ امرأةٍ مِنْكُنَّ غيرَها .
وأخرج الترمذي من طريق الثوري، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن غالب أن رجلا نال من عائشة عند عمّار بن ياسر، فقال: اعْزُبْ مَقْبُوحًا، أتؤذي محبوبة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- .
وأخرجه ابن سعد من وجه آخر، عن أبي إسحاق، عن حميد بن عريب نحوه؛ وقال: مقبوحًا مَنْبُوحًا، وزاد: إنها لزوجته في الجنة .
وعن مرسل مسلم البطين، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: عائشة زوجتي في الجنة ، ومن طريق أبي محمد مولى الغِفَاريين أن عائشة قالت: يا رسول الله، مَنْ أزواجُكَ في الجنة؟ قال: أنت منهنَّ .
ومن طريق أبي إسحاق، عن سفيان بن سعد، قال: زاد عمرُ عائشةَ على أزواج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ألفين، وقال: إنها حبيبة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم .
وفي "صحيح البخاري" من طريق ابن عون، عن القاسم بن محمد -أن عائشة اشتكت فجاء ابن عباس فقال: يا أم المؤمنين، تقدميني على فرط صدق... الحديث .
وقال ابن سعد: أخبرنا هشام هو ابن عبد الملك الطيالسي، حدثنا أبو عوانة، عن عبد الملك بن عمير، عن عائشة، قالت: أُعْطِيتُ خِلالاً ما أُعْطِيَتْهَا امرأةٌ: مَلَكَنِي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأنا بنت سبع، وأتاهُ المَلَكُ بِصُورتي في كفِّه لينظرَ إليها، وبَنَى بي لتِسْعٍ، ورأيت جِبْرَائِيلَ، وكنت أحبَّ نسائِهِ إليه، ومَرَّضْتُهُ فَقُبِضَ ولم يشهدْهُ غيري والملائكة
وأورد من وجه آخر فيه عيسى بن ميمون -وهو واهٍ- قالت عائشة: فُضِّلْتُ بِعَشْرٍ... فذكرت مجيء جبريل بصُورتها .
قالت: ولم ينكِحْ بكرًا غيري، ولا امرأة أبواها مهاجران غيري، وأنزل الله براءتي من السماء، وكان ينزل عليه الوحي وهو معي، وكنت أغتسل أنا وهو من إناء واحد، وكان يصلي وأنا معترضة بين يديه، وقبض بين سَحْرِي ونَحْرِي في بيتي وفي ليلتي، ودفن في بيتي .
وأخرج ابن سعد من طريق أم درة، قالت: أتيتُ عائشة بمائة ألفٍ ففرقتها، وهي يومئذ صائمة، فقلت لها: أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحمًا تفطرين عليه؟ فقالت: لو كنت أذكرتِني لفعلتُ .
روت عائشة عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- الكثير الطيب، وروت أيضا عن أبيها، وعن عمر، وفاطمة، وسعد بن أبي وقّاص، وأسيد بن حضير، وجذامة بنت وهب، وحمزة بنت عمرو .
وروى عنها من الصحابة عمر، وابنه عبد الله، وأبو هريرة، وأبو موسى، وزيد بن خالد، وابن عباس، وربيعة بن عمرو الجرشي، والسائب بن يزيد، وصفية بنت شيبة، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وغيرهم .
ومن آل بيتها أختها أم كلثوم، وأخوها من الرَّضاعة عوف بن الحارث، وابن أخيها القاسم، وعبد الله بن محمد بن أبي بكر، وبنت أخيها الآخر حفصة، وأسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، وحفيده عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن، وابنا أختها عبد الله وعروة ابنا الزبير بن العوام مِنْ أسماء بنت أبي بكر، وحفيدا أسماء عباد وحبيب ولدا عبد الله بن الزبير، وحفيد عبد الله عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير، وبنت أختها عائشة بنت طلحة من أم كلثوم بنت أبي بكر
ومواليها أبو عمر، وذكوان، وأبو يونس، وابن فروخ.
ومن كبار التابعين سعيد بن المسيب، وعمرو بن ميمون، وعلقمة بن قيس، ومسروق، وعبد الله بن حكيم، والأسود بن يزيد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو وائل، وآخرون كثيرون .
ماتت سنة ثمان وخمسين في ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان عند الأكثر، وقيل سنة سبع؛ ذكره علي بن المديني، عن ابن عيينة، عن هشام بن عروة، ودُفِنَتْ بالبقيع .